ظلام الليل يستر فوضى السلامة
في جنح الظلام، تتحول الطرق الوطنية إلى مسرح لفوضى صامتة بطلها مركبات ثقيلة تبدو وكأنها قادمة من عالم آخر. إنها شاحنات نقل التبن، التي تجوب طرقنا بأحمال شاهقة تتجاوز كل الحدود المعقولة للسلامة، لتهدد بذلك حياة الآلاف من مستعملي الطريق الآخرين. والأسوأ من ذلك، اختيار هذه المركبات للساعات المتأخرة من الليل للسير بأضواء قوية ومُعدلة، غير مكترثة بالقواعد وغير مهتمة بسلامة من يشاركونها المسار.
هنا يقف المرء متعجباً: كيف يسمح لهذه المركبات بالاستمرار في السير، رغم مرورها بالعديد من نقط المراقبة الدائمة؟ لماذا يخيم الصمت على هذا الخرق الصارخ، وهل ننتظر وقوع كارثة مروعة حتى يصحو الضمير ويتم التدخل لإعادة النظر في مثل هذه الممارسات؟
🛣️ تجاوز الحدود: العلو والعرض الكارثيان
المشكلة الجوهرية لهذه الشاحنات تكمن في التجاوز السافر للعلو والعرض القانوني المسموح بهما في مدونة السير. فنقل التبن بهذا الشكل المُكدس يحول الشاحنة إلى كتلة غير مستقرة، مما يؤدي إلى:
تهديد التوازن: ارتفاع الحمولة بشكل مبالغ فيه يجعل الشاحنة عرضة للانقلاب عند المنعطفات الحادة أو حتى بفعل الرياح القوية.
حجب الرؤية: الحمولة الضخمة تحجب رؤية السائق بشكل كلي في بعض الأحيان، مما يزيد من خطر الحوادث.
انتهاك حيز الطريق: عرض الحمولة غير القانوني يقتطع جزءاً كبيراً من المسار المقابل، مما يجبر السائقين الآخرين على الانحراف المفاجئ لتفادي الاصطدام.
💡 اللعب بالنار: السير ليلاً والأضواء القوية
اختيار الليل كوقت للسير ليس مصادفة، بل هو تكتيك للتهرب من رقابة النهار الأكثر صرامة. لكن هذا الاختيار يحمل خطراً مضاعفاً:
الأضواء المُعدلة: يستخدم العديد من سائقي هذه الشاحنات أضواء كاشفة قوية جداً وغير قانونية (أو يتم تعديل شدة الإضاءة)، مما يتسبب في إبهار (Eblouissement) السائقين القادمين في الاتجاه المعاكس وحجب رؤيتهم بشكل تام للحظات حرجة.
الإرهاق: السير لساعات طويلة في الليل يزيد من إرهاق السائق، ويهدد بقدرته على اتخاذ القرارات السريعة.
⚖️ مدونة السير المغربية (قانون 52.05 وتعديلاته): العقوبات جاهزة!
إن التشريع المغربي واضح وصارم تجاه هذه الانتهاكات. تحدد مدونة السير (والتي تم تنقيحها بالقانون 116.14 وغيره) العقوبات بوضوح لمثل هذه الخروقات:
| نوع المخالفة | الإشارة القانونية (مدونة السير) | العقوبة المتوقعة |
| تجاوز العرض/العلو القانوني | يعتبر حمولة غير مطابقة للشروط القانونية. | غرامات مالية مرتفعة (تتراوح بين الغرامات الجزافية والمحاضر) بالإضافة إلى إلزامية تفريغ الحمولة الزائدة للامتثال للقانون. |
| السير ليلاً بأضواء غير مطابقة | مخالفة تتعلق بسلامة التجهيزات والأضواء. | غرامات جزافية، وقد تتطلب تثبيت المركبة حتى يتم تصحيح الوضع. |
| تهديد سلامة مستعملي الطريق | مخالفة خطيرة تتعلق بـ "تعريض حياة الغير للخطر". | قد تتطور المخالفة إلى جنحة في حال التسبب في حادث، وتُعرض السائق لسحب رخصة السياقة وإجراءات قضائية أشد. |
إن القانون يمنح صلاحيات واسعة لنقط المراقبة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بتثبيت المركبة المخالفة وإلزام السائق بتصحيح المخالفة قبل متابعة السير، وهو ما يضع علامات استفهام حول أسباب استمرار هذا الصمت أمام هذه "القنابل الموقوتة".
🔔 نداء عاجل: لا للكارثة المنتظرة!
إن استمرار تغافلنا عن هذه الظاهرة هو بمثابة إعلان ضمني بالانتظار حتى تقع الكارثة. يجب على الجهات المسؤولة، من الدرك الملكي والأمن الوطني وفرق المراقبة الطرقية، تشديد الرقابة ليلاً واتخاذ الإجراءات القانونية الفورية والرادعة ضد سائقي شاحنات التبن المخالفين.
إن سلامة مستعملي الطريق ليست مسألة تفاوض، بل هي حق مضمون بالقانون، ويجب تفعيله الآن قبل أن يدفع الأبرياء ثمن هذا التساهل المؤسف.

0 تعليقات