لا يستطيع أحد أن ينكر وطأة الليل وحلكة الظلام التي تلقي بظلها على الروح، لكن الإصرار على البقاء والإرتجالية في مواجهة السكون يبقى سيد الموقف لتجاوز هذه الساعات الثقيلة. ليظل بصيص الأمل معلقاً بذلك الشفق الصباحي الذي بدأ ينسدل الآن.
أنت جالس خلف المقود، تتأمل هذا المشهد، بعد ليلة بيضاء نسفت حدود الأمس واليوم. بينما يطل عليك الصباح ليجمعك بأناس يلقون تحية اليوم الجديد، معلنين بداية الحياة بعد أن طووا ما مضى في نوم عميق أراح أجسادهم.
لكن بالنسبة لي، أنا سائق هذه الحافلة الثقيلة، السهر ليس شاعرياً؛ إنه واجب ثمنه اليقظة المضنية. لقد قضيت ليلتي أحارب ميل الجسد نحو الراحة، عيني لا تفرق بين أضواء المدينة الخافتة وظلال الأشجار الممتدة. كل ميل على هذا الطريق كان تحدياً جديداً ضد إغراء الغفوة، بينما مقعدي الخالي يترقب بزوغ الفجر ليُملأ بوجوه تحمل حماس البدايات ونعاس النهايات.
والآن، في هذا الفجر البارد، تجد نفسك شاهداً على لحظة تحول الكون. كل حركة حولك تُصدر صوتاً جديداً؛ صوت الحياة التي استيقظت وهي لا تحمل أثقال ليلتك. تتسلل خيوط الشمس الذهبية لتغسل زجاج الحافلة من سواد السهر، وتُعيد تشكيل ملامح الطريق المألوفة. أنت الوحيد الذي يحتفظ بأسرار تلك الساعات الطويلة التي قُضيت بين الهاجس واليقظة على هذا المقود. تحمل الأمس كاملاً في عينيك، وتنظر إلى اليوم وهو يُشرق، لكنك تقف على أعتاب يوم عمل جديد، دون أن تكون قد ودعت بعد بقايا الليل. تنزل من مقعدك المرهق لتُسلم زمام القيادة لزميل آخر، وتعود لتصبح مجرد فرد في حشود الصباح، حيث يبدو لك فراش النوم حلماً بعيداً، تنتظره بفارغ الصبر لطي هذه الليلة البيضاء أخيراً.
.jpg)
0 تعليقات