مدونة السير المغربية: إصلاحات مرتقبة لتعزيز السلامة الطرقية وتأهيل المهنيين


في سياق سعيها الدائم لتحسين منظومة السلامة الطرقية وتكييف التشريعات مع التحديات المستجدة، تعمل الحكومة المغربية على إعداد مشروع قانون جديد يهدف إلى تغيير وتتميم مدونة السير على الطرق. هذه المراجعة المرتقبة تأتي لمعالجة بعض النواقص القانونية والإجرائية، وتحقيق الأهداف الطموحة للاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية، مع التركيز على الجانب الوقائي وتأهيل الفاعلين في قطاع النقل.

يتضمن مشروع القانون هذا، الذي لا يزال قيد التداول والدراسة، مقترحات محورية قد تحدث تحولاً في طريقة التعامل مع المخالفات وتحديد المسؤوليات:

1. عقوبات بديلة للسائقين المهنيين: نحو مقاربة مرنة تحفظ كرامة العمل

تدرك الحكومة المغربية أهمية قطاع النقل المهني في الاقتصاد الوطني، والدور المحوري الذي يلعبه السائقون المهنيون. غالباً ما يؤدي سحب رخص السياقة لهؤلاء السائقين إلى فقدان مصدر رزقهم بشكل كامل، مما يتسبب في أضرار اجتماعية واقتصادية جسيمة. لمعالجة هذا الإشكال، يقترح مشروع القانون إقرار عقوبات بديلة لسحب رخص السياقة المتعلقة بالمخالفات غير الخطيرة.

  • الهدف: يرمي هذا التعديل إلى الحفاظ على استمرارية عمل السائقين المهنيين، مع فرض عقوبات تأديبية تكون أكثر مرونة وفعالية، مثل الخضوع لدورات تكوينية متقدمة في السلامة الطرقية، أو أداء غرامات مضاعفة، أو العمل لساعات معينة في خدمة المجتمع، عوض الحرمان الكلي من حق السياقة.

  • المصدر: تأتي هذه المقترحات استجابة لمطالب النقابات المهنية وتوصيات الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (NARSA)، التي تؤكد على ضرورة التوازن بين الردع والعقاب وبين ضمان الحق في العمل.

2. مسؤولية مالك المركبة: تحديد دقيق للمسؤوليات التقنية

من التعديلات الجوهرية التي يناقشها مشروع القانون، تحديد مسؤولية مالك المركبة بشكل مباشر في بعض المخالفات التي تتعلق بالحالة التقنية لمركبته، حتى لو لم يكن هو السائق وقت ارتكاب المخالفة.

  • الهدف: يهدف هذا الإجراء إلى تعزيز صيانة المركبات وضمان سلامتها التقنية باستمرار. فبعض المخالفات، مثل القيادة بعجلات مهترئة، أو بأضواء معطلة، أو بفرامل غير صالحة، لا تتعلق فقط بسلوك السائق، بل تعكس أيضاً إهمالاً من جانب مالك المركبة في صيانتها. هذا التعديل سيحفز الملاك على المراقبة الدورية لمركباتهم لضمان مطابقتها لمعايير السلامة.

  • المصدر: تعكس هذه التعديلات التوجه العالمي نحو تحميل المسؤولية لمن يملك السيطرة الفعلية على المركبة وصيانتها، وهو ما يتفق مع التوصيات الصادرة عن اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير (التي أصبحت جزءاً من مهام NARSA).


إن هذه التعديلات المقترحة لمدونة السير المغربية، سواء المتعلقة بالعقوبات البديلة للسائقين المهنيين أو بمسؤولية مالك المركبة، تعكس رؤية استباقية للحكومة ترمي إلى تطوير إطار قانوني شامل ومتوازن. الهدف الأسمى هو تعزيز السلامة الطرقية، حماية الأرواح والممتلكات، وفي الوقت ذاته، ضمان العدالة الاجتماعية والاقتصادية للفاعلين في قطاع النقل. يُتوقع أن تُناقش هذه المقترحات بشكل مستفيض في المؤسسات التشريعية قبل دخولها حيز التنفيذ، لتشكل نقلة نوعية في تطبيق قانون السير بالمملكة.


`


إرسال تعليق

0 تعليقات