قطاع النقل الطرقي في المغرب يواجه أزمات متتالية، والسائقون هم الحلقة الأضعف في سلسلة من القرارات العشوائية والحوادث المؤلمة التي تهز الرأي العام. خلال الشهر الجاري وحده، شهدنا ثلاث حوادث خطيرة سلطت الضوء على معاناة مهنيي النقل، في ظل غياب آليات حقيقية لحماية حقوقهم وضمان أمنهم المهني والاجتماعي.
الحوادث بين الواقع والتغطية الإعلامية
الحوادث التي وقعت مؤخرًا كانت كفيلة بأن تثير الجدل، لكن للأسف لم يكن الاهتمام بها منصبًا على كشف الأسباب الحقيقية أو البحث عن حلول جذرية، بقدر ما كان سباقًا نحو رفع نسب المشاهدات وتحقيق التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي. الإعلام، الذي من المفترض أن يكون وسيلة لنقل الحقائق بموضوعية، تحوّل إلى ساحة للاتهامات الجاهزة التي غالبًا ما تقع على عاتق السائق، باعتباره الحلقة الأضعف في هذه المنظومة المختلة.
إن المقلق في الأمر، هو أن السائق نفسه بات مقتنعًا بأنه الطرف الأضعف، ما جعله مستسلما لواقع لا يخدم مصلحته، وغير قادر على الدفاع عن حقوقه أمام هذه الضغوطات.
قرارات مفاجئة تضرب السائقين في العمق
لم تقتصر الأزمة على الحوادث فقط، بل زاد الطين بلة اتخاذ قرارات مفاجئة مست حقوق السائقين دون أي استشارة أو دراسة مسبقة. أبرز هذه القرارات كان تعديل بعض بنود مدونة السير، التي وضعت السائق في مواجهة مستمرة مع نقاط المراقبة، مما يعرضه لعقوبات متكررة دون مراعاة ظروف عمله.
ورغم محاولات بعض المنابر المهتمة بشؤون السائقين رفع الصوت والمطالبة بحقوقهم، إلا أن هذا الصوت لم يصل بعد إلى طاولة الحوار، حيث لا يزال السائق مغيبًا عن النقاشات التي تهم مصيره.
علامات المنع وصدمة السائقين في الدار البيضاء
إحدى أكثر القرارات المثيرة للجدل كانت تلك المتعلقة بمنع مرور عربات الوزن الثقيل داخل الدار البيضاء دون توفير مسارات بديلة واضحة، الأمر الذي تسبب في ارتباك شديد في صفوف السائقين. وجد الكثير منهم أنفسهم فجأة أمام عقوبات لم يكونوا على علم بها، ما خلق موجة من الغضب والاستياء داخل القطاع.
متى يكون للسائق صوت على طاولة الحوار؟
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: متى سيصبح السائق شريكًا فعّالًا في القرارات التي تخص قطاعه؟ إلى متى سيظل مجرد متلقٍّ للأوامر دون أن يكون له الحق في مناقشتها أو تعديلها؟
إن إصلاح قطاع النقل يمر حتمًا عبر إشراك مهنيي النقل في صنع القرارات التي تؤثر عليهم، وإيجاد حلول واقعية لمشاكلهم، بدل تحميلهم وحدهم مسؤولية اختلالات القطاع. فإلى متى يستمر هذا التهميش؟