اعترافات سائق حافلة: بين المقود وثقل المسؤولية



اعترافات سائق حافلة: بين المقود وثقل المسؤولية

حديث من القلب عن مخاوف الحياة خلف عجلة القيادة

حين سُئل عن معنى أن يكون سائق حافلة، أخذ الرجل نفساً عميقاً، وأجاب بصوت خافت يخفي خلفه كثيراً من الهموم والمشاعر المكبوتة.

"أن تكون سائق حافلة، لا يعني أنك فقط ذلك الشخص الذي يقف بزي موحد، يبتسم وينتظر بهدوء لحظة انطلاق الرحلة. الصورة النمطية التي يرسمها الناس عن السائق تختلف تماماً عن الحقيقة. يروننا كأشخاص نعيش حياة بسيطة، كما لو أن كل ما نفعله هو الجلوس خلف المقود ونقل الركاب بسلاسة وراحة. لكن في الواقع، الواقع أشد تعقيداً وأثقل بكثير مما يتخيلون."

توقف لبرهة، وأكمل بصوت أثقل، وكأنه يحاول إزاحة بعض من حمله المتراكم:

"أن تكون سائق حافلة يعني أن تتحمل أعباءً نفسية وعقلية مرهقة. مسؤولية حياة العشرات من الركاب على عاتقي في كل رحلة، والطرقات المليئة بالمخاطر، هي أمور تستنزف طاقتي يومًا بعد يوم. لحظة انطلاقي في كل مرة، يرافقني القلق؛ هل سأصل بسلام؟ هل سأتمكن من تجنب الحوادث؟ هل سأعود لأهلي بعد نهاية اليوم؟ هذه الأفكار تلتصق بي كظل ثقيل."

واستمر قائلاً:

"كل صباح، أستعد للرحلة ليس بفرحة العمل، ولكن بقلق من لا يعرف ما تخبئه له الطرقات. حين أبتسم للركاب، أبتسم لأطمئنهم، لكنني في أعماقي أشعر بتوتر لا يظهر على وجهي. أتعامل مع الطرقات الضيقة، والمطبات الخطرة، والسائقين المستهترين، وحوادث المرور المتوقعة في أي لحظة. إنه عمل محفوف بالمخاطر، ولكن لا أحد يشعر بهذا الخوف سوى السائق نفسه."

وأردف قائلاً:

"في نهاية اليوم، أعود إلى منزلي بجسد منهك وعقل مرهق من التفكير. ومع ذلك، فإن أصعب ما أواجهه ليس التعب الجسدي، بل الضغط النفسي الهائل. تلك اللحظات التي أغفو فيها، لأحلم بمقود الحافلة في يدي، وبزمام الحياة الذي لا ينفك يفلت مني، فأستيقظ وأنا أشعر أن كل شيء على المحك. وفي اليوم التالي، أعود إلى مقعدي في الحافلة، محملاً بكل تلك المخاوف والقلق. أعود لأنني، ببساطة، لا أملك خيارًا آخر."

كانت كلماته تعكس حقيقة عميقة عن حياة السائقين، تلك الفئة التي تعيش في صمت، تتحمل أعباء لا يعرفها الكثيرون. هم، ورغم كل شيء، يكملون الرحلة بابتسامة هادئة ويد متمكنة على المقود، ولكن داخلهم يحمل من الثقل ما لا يقوى عليه أحد.

إرسال تعليق

0 تعليقات